العروبية لهجة بدوية صميمة

لعروبية هي لهجة اهالي جهات الشاوية ورديغة دكالة عبدة لغرب شراردة بني حسن بالإضافة إلى جهة الحوز وجهة الشرق بالمغرب. و تعني كذلك البادية بلسان العرب الذين يطلق عليهم في المغرب اسم العروبية أيضا. دخلت المغرب مع عرب بني هلال و بني سليم أثناء ما يعرف ب التغريبة الهلالية.


مميزاتها

تتميز اللهجة العروبية باستخدام الچاف(g) مثل بلدان الخليج و لهجة البدو أهل فلسطين و سيناء و الشام بذل القاف حيث تستخدم في عدة كلمات مثل "چال" وتعني قال ،"عچب" وتعني عقب اي عاد ،"فوچ" وتعني فوق، "طريچ" وتعني طريق، "عرچ" وتعني عرق، "علچ" وتعني علق، "چاع" وتعني القاع كما تعني كل، والتي اشتقت ربما من أن كل مابقي في القاع...) لكن التوافق مع لهجات البدو لا يتوقف عند هذا الحد بل يعدوه إلى التطابق في المفردات و التشابه و التطابق في طريقة النطق كماحافظ العروبية على عدة كلمات تكاد تنقرض من الاستخدام حيث يستخدمون كلمة "وطية" بمعنى مكان وتشتق من موطئ كما يتسخدمون كلمة "عود" وتعني حصان وتستخدم كلمة "هدرة" بمعنى كلام، كما يختلف كلام العروبية عن أهل المدن فيستخدمون كلمة "زين" لدلالة على الجمال أو الوسامة بينما يستخدم اهل المدن مفردة "مزيان" للدلالة على نفس المعنى، إلا أن اللهجة العروبية لاسيما في القرن العشرين شهدت العديد من المتغيرات من بينها استخدام عدد من المفردات الفرنسية و المدنية عليها ككلمة "بلاصة" التي تعني مكان و"طومبيل" وتعني السيارة, و ذلك في المدن خاصة. من أشهر فنون اللهجة الشعر أو الزجل الشعبي الذي غالبا مايستدخم في رقص عبيدات الرمى أو في الغناء الشعبي الذي انحرف عن مقصده من غناء تصوفي يحكي عن الغربة في الدنيا واستوحاشها والأمل في ثواب الله إلى غناء يحكي الحب والوله وماالى ذلك وأحيانا مايحكي عن الهجرة ومعاناة سكان البوادي.

بعض المفردات المستعملة في لهجة العروبية

تتميز لهجة العروبية بالكلمات العربية الفصحى التي يمكن عرضها مباشرة على القاموس نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
مهرز أو مهراز: أداة تستعمل في المطبخ جمعها مهارز.
مغرف: أداة من الخشب عادة تستعمل لشرب الحريرة.
الحريرة: حساء.
معلقة: تحريف لكلمة ملعقة جمعها معالق و التمعن فيها يظهر أنها طريقة أخرى للنطق.
موس: من الموسى أي السكين.
شوكة: لها معنى شوكة من شاكته شوكة و أيضا الأداة التي تستعمل على المائدة.
المقلى: أداة القلي.
البرمة: وعاء كبير للطبخ.
الكدية: التل ويقال أيضا التلة.
الحنطة: القمح ونقول إيضا الچمح.
الحَطَّة: المنزل أو الدار.
الكانون: الموقد و نقول أيضا المَجْمَر.
الچلّة: القلة و و هو وعاء من الفخار يحفظ فيه الماء أو اللبن.
الچصعة: وهي القصعة.
الچربة: القربة من الجلد أو غيره.
الشكوة: وعاء من الجلد يستعمل لحفظ اللبن.
الرايب: شراب و هو حالة الحليب قبل أن يصير لبناً.
المزْوَد: يعني المخذ الطويل أو القربة من الجلد و أيضا الهراوة.
الحَلّوف: الخنزير.
الزّْريبة: مكان تجميع البقر أو الغنم ليلا.
الحَوْلي: الكبش البالغ، من الحول أي العام و ذلك أن الحمل يصير كبشا عند بلوغه سن العام.
النعجة أو الشا: النعجة و الشاة.
الفرطاس: لغة العريض و يقال للكبش الذي لا قرون له و ذلك لأنه عريض الجبهة.
الصردي: من الصرد أي الخالص لقح و يقال لكبش أبيض الوجه مع سواد في الفم و الجبهة و هو سلالة خالصة.
البهيمة: و جمعها البهايم.
التِّيس: ذكر الماعز و نقول أيضا العتروس من أصل عترس لغة.
المعزة: أنثى الماعز.
الفَرُّوج: الديك، و لغة هو فرخ الدجاجة جمعها فرارج و لغة فراريج.
عَتّوچة: الدجاجة في طور البلوغ ، من عتّوك لغة.
البيبي: كلمة أصلها اسم علم تركي، والعرب تستخدمها للتعظيم، و نقولها للديك الرومي الذي يعرف بعظم حجمه.
الفلّوس: صغير الدجاج.
الجْدَعْ: صغير الحصان.
الرّْبِيع: الحشائش.
الچطّ و المُشّ: القط.
الغلة: ناتج الحصاد.
الترعة: مكان توضع فيه البهائم.
الجنان: الحديقة المثمرة.
الكراع: الساق سواء ساق إنسان أو بهيمة.
الماكْلة: الطعام.
الطّْعام: و يقال لوجبة الكسكس.
الچدّيد: القديد و هو اللحم المملح.
الشّْرَاب: و يقال للخمر.
الكْرَمْ: شجر التين.
الكرموس: تحريف لكرمش لغة و هو الجلد تَقَبَّض و انضم بعضه إلى بعض، و هو التين.
مكرمش: و نقول تكرمش و مكرمش و يعني الإنكماش ونقول أيضا تكمش و مكمش و تعني نفس الشيء.
الغول: وحش خيالي .
البرهوش: نقصد الصعلوك و الذي لا يفقه كالصبي أو المتصابي.
البعلوك: و هو تحريف لكلمة الصعلوك و غالبا نقصد به التافه.
العرَچ: العرق و منه العرچة، و يعني عرق كعود السواك مثلا .
العركة: المعركة و نقول أيضا المْضاربة.
الهراوة: العصا الغليظة تستعمل في العراك.
المعيار: بتدقيق الياء من عاير و هو السب، و نقول أيضا السب والشتيمة و سبه و عايره.
العنچود: العنقود.
عرچوب: و هو العرقوب.
كرافس: وهو الكرفس لغة نبتة تأكل.
الحرمل: نبتة صحراوية تستخدم في الطب.
الزين: الجميل، الحسن.
الخايب: ضد الزين.
مليح: جيد، ممتاز.
القبيح: الشرير.
الباسل: ما لا طعم له، أو الشخص المتطاول ومن المعنى الأخير البسالة.
الرّْبَاعة: العشيرة و الرهط .
العشير: الخل و الصديق المقرب.
الزّغبي: من زغبة و هو الرجل المتهور أو من يقدم بغير تفكير.
النچاب: خمار يوضع على الوجه.
الجلابة: من الجلباب لباس تقليدي .
الطربوش: القبعة.
البلغة: نوع من الأحذية.
السباط: الحذاء و أصله السباطة و هي الكناسة من الكنس و ذلك كناية على المشي في التراب.
مهاوش: الرجل الشره أصلها لغة غصب و سرقة المال.
مْسَيّف: نقول تْسَيّف ليه أي تهيأ له و ظهر له و مسيف ما تهيأ، لغة المُسَيَّف و هو الثوب صور فيه كهيئة السيوف .
الزّْغَب: صغير الشعر دقيقه و لينه.
الحجّام: من الحجامة و هو الحلاق.
المخيط: إبرة كبيرة تستعمل للخياطة.
شفّار: اللص و قاطع الطريق، و أصل شفّار لغة هو صانع السكاكين.
چزّار: الجزار .
الحْجَرْ: بتدقيق الجيم و تليينه و هو الحِجْر لغة.
مْدَرَّم: الذي يسرع الخطى و لغة الدابة تدب دبيباً.
حادچ: حاذق
الشّْرَع: الرجل القوي ضخم الجثة و أصلها الأشرع الرجل الممتدة أرنبته و ذلك كناية على عظم خلقة
البردعة: ما يوضع على الحمار أو البغل ليركب عليه و يشمل كذلك القفاف الكبيرة على الجانبين
الچُفّة: القفة
و من الأفعال التي تستعمل في اللهجة الدارجة:
راح: أي ذهب و نفول أيضا مْشَى و ضدها جا أي جاء و أتى و رجع و عچب أي عاد
ساح أي سار في الأرض و أيضا داع من ذاع
جاب أي أتى بشيء مشتقة من الجيب
نعس أي نام و منه النعاس و قال و يقيل من القيلولة و فاق أي أفاق
صبّح أي أبكر و بكري أي الصباح الباكر ضدها مسى و يمسّي
ينچز أي يقفز
فَرْعَن أي طغى و تجبر و منه مفرعن
حَلّق أي زيّن و منه مْحَلَّق
بْغى و يبغى يعني أراد
نوى و منها النية
شاف أي نظر
شم و يشم
ناض من نهض منه النوْضة وچام يعني قام
فلح و حرث
شرَّح منه شرّح اللحم أو الكبدة و چدّد أي صنع قديدا
كرفس أي أشتد عليه و يقال تكرفس عليه و التكرفيس لغة من كرفس مشى مشية المقيد و الجمل قيده فضيق عليه
حن و يحن حنين
بْرَك أي جلس و يقال أيضا اچعُد أي اقعد و اچلس
شْدّ أي أمسك وخوذ أي خذ ضدها اطْلَق و رَجَّع و رُدّ
ارْخِي أي الإرخاء ضدها زيّر من الشدة و تضييق الوثاق و لغة زير أي شد الدابة بالزيار
خَلِّي أي أترك
بلّچ: أي بلق و هو إطالة النظر أو شدته و لغة النظر باندهاش و قطع الظهر بالسوط
عافر يعافر و معافرة أي صارعه و الصراع و لغة عفر وجهه أي مرغه في التراب و دسه فيه
خاصم و مخاصمة
طيّح أي أسقط
سْلَخ أي أشبع ضربا أو سلخ الجلد
جاد أي تكرم منه الجود
درّم أي أسرع المشي و كاد يعدو

هذا غيظ من فيض فاللهجة العروبية لهجة بدوية عربية صميمة.
 
الكاتب عبيد الله

أزمور مدينة عالمية في العراقة ، تتحدث عن نفسها

هل تعرفون مدينة تتحدث عن نفسها رغم صمت التاريخ عن تاريخها؟؟

هل تعرفون شيئا عن تاريخ المدينة التي تتوسد أثناء نومها وصحوها نهرا عظيما ؟، ماؤه صافيا صفاء فطرة الأطفال أثناء ولادتهم ؟ هي تتوسد نهرا في نومها وصحوها ، والنهر يحمل ماء عذبا رقراقا للعطشى من أبناء المدينة القاطنين بها ، والقادمين إليها من حواليها ، كما يحمل النهر طعاما للجائعين ، ويتعاون النهر مع المدينة على حمل تاريخ طويل وعميق ، من عهد حانون القرطاجي صاحب السفن الشراعية ، ذات الخمسين مجدافا ، الذي أرسل من قبل القرطاجيين ، ليبني مدنا هنا بالشمال الإفريقي ،
ماذا قال المؤرخون عن مدينة أزمور؟؟
إلماحات عن مدينة أزمور رغم سكوت التاريخ عن يوم ولادتها
1- يقول الحسن بن الوزان ( ليون الإفريقي ) ( أزمور مدينة في دكالة هي من بناء الأفارقة على مصب نهر أم الربيع في المحيط الأطلسي ))
2- أما أبو القاسم الزياني فيقول عنها : أزمور بنيت من قبل أمراء صنهاجة ، أثناء استقرارهم بدكالة
3- الكانوني يقول عنها : ( إنها مدينة عتيقة يرجع تأسيسها إلى ما قبل الميلاد المسيحي ، ولها ذكر في المدن القديمة ، الموجودة على عهد الفنيقيين ([1])
4- أما مارمول فيرى : ( أن أزمور لحْضر القديمة التي بنيت في عهد حانون القرطاجي دمرت مع مجموعة من المدن الأخرى ، وقامت أزمور الجديدة على أنقاضها مرة أخرى
5- ومن خلال هذه الومضات التاريخية المشعة ، نستنتج كما استنتج المؤرخون المغاربة والأروبيون أن مدينة أزمور تأسست قيل ميلاد المسيح عليه السلام بمئات السنين ([2])
ازمور عاصمة دكالة قبل مدينة الجديدة
يقول عنها الإمام قاضي القضاة ، وعمدة المذهب المالكي ، أبو بكر بن العربي الأندلسي المغربي دارا ونسبا ، دفين مدينة فاس ، فقد زارها ، وهو عائد من رحلته المشرقية التي دامت أكثر من عشر سنين ، ومر من دكالة منطلقا من مدينة فاس إلى مراكش ، وتحدث عن أرض دكالة فوصف خصوبة دكالة وعاصمتها أزمور قائلا Sad رأيتها أنبتت ثاني يوم المطر ([3]) ( وهي سهول مترامية الأطراف طولها وعرضها خمس مراحل ، تنبط فيها الآبار العذبة وتكثر بها الزروع والضروع ، وبها زيادة على عشرة الآف قرية غير مدن السواحل ، ومدينتها العظمى في وسطها ، وعشرون مسجدا ، وخمس وعشرون مدرسة معمورة بطلبة البربرمن صنهاجة ،([4])
من آثار المدينة التي تشهد على عراقتها
يخبرنا ( دوتيل ) بأن أحد سكان مدينة أزمور ، ولعله كان من المتاجرين في القطع النقدية القديمة ، وهو من اليهود ، وقعت في يده قطعة من الأحجار الكريمة ، تشهد على عراقة مدينتنا ، وهي عبارة عن قطعة من العقيق الأحمر بيضاوية الشكل ، في حجم فص خاتم ، والقطعة تمثل رجلا عاريا يلوح بعصا في يده ، وهي قطعة تشبه إلى حد كبير النقود اليونانية التي كان التعامل جاريا بها في جزر الباليار baleares) )والتي ضرب على وجهها هي أيضا ، صورة شخص يلوح بعصا في يده ([5])
دور المدينة العلمي والعمراني
إذا أردنا أن نعرف دور المدينة العلمي فعلينا أن نعود إلى مايلي :
1- ماقاله أبوبكر بن العربي في وصفها وأنها تعتبر العاصمة العلمية لقبيلة دكالة :
وبها زيادة على عشرة الآف قرية غير مدن السواحل ، ومدينتها العظمى في وسطها ، وعشرون مسجدا ، وخمس وعشرون مدرسة معمورة بطلبة البربرمن صنهاجة ،([6]) خمس وعشرون مدرسة تمثل اليوم خمس وعشرون جامعة من جامعات العالم الإسلامي
- مساجدها وزواياها ومدارسها العلمية
2- المسجد الكبير والذي يقع بوسط المدينة والطريق المؤدي يحمل اسمه فيسمى بزنقة المسجد الكبير ،
3- أزمور مدينة الصالحين والأولياء
يقول الشيخ أبو الحسن علي الندوي رحمه الله ( إذا كان الشرق بلاد الأنبياء ، فإن المغرب بلاد الأولياء ) ([7])
فمدينة أزمور تشتهر كغيرها من مدن المغرب بأوليا ء الله الصالحين وأولهم الولي العابد سيدي أيوب السارية المشتهر ب ( مولاي بوشعيب )الذي قدم من مدينة فاس إلى مدينة أزمور واستوطنها ، حتى كادت المدينة تسمى باسمه ،ففي غالب الأحيان نسمع الناس يتحدثون عن زيارتهم للمدينة باسم مولاي بوشعيب ، زرت مولاي بوشعيب ، أو عدت من مولاي بوشعيب ،أو ذهبت إلى مولاي بوشعيب ، وقصدهم هو مدينة أزمور فكاد اسم الولي الصالح أن يتغلب على اسم مدينة أزمور ، ولذلك فمدينة أزمور تشتهر بأضرحتها التي لاتعد ولا تحصى . إلا أن جهل الناس طغى على التصوف السني في بلادنا ، وطمس معالمه الصافية ، وأحدث الناس طرائق للزيارات ماانزل الله بها من سلطان . والله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
أحفاد الشيخ أبي شعيب كان لهم حكم البلاد
لقد جاء في الظهير الشريف (الإسماعيلي ) أي القانون الصادر في عهد السلطان مولاي إسماعيل مايلي :
لقد اقتضى نظرنا الشريف أن نقر حامله المرابط السيد عبد القادر بن محمد بن عبد الله الصنهاجي حفيد سيدي أبي شعيب السارية ، على رأس زاوية جده بصفته مقدما ومدافعا على حقوق هذه الزاوية ............. لايشاركه في ذلك أحد ، ........ ويحرص على فعل الخير ، ومنع الظلم ، ويحيط جنابنا علما بكل مايخالف الشرع والسنة ، وعليه أن يخاف على نفسه إن هو أخفى أمرا من شانه أن يحدث الفتن ( [8]) ويظهر من خلال ماجاء في الظهير الشريف أن ملوك المملكة المغربية كانوا دائما محافظين على الدعوة إلى دين الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، وكذلك كان اهتمامهم الشديد بعقيدة الأمة
والحفاظ عليها وصونها عن كل شائبة تعكر صفوها ، وهذا يبدو من خلال ماجاء في المرسوم السلطاني ، ( ويحيط جنابنا علما بكل مايخالف الشرع والسنة ) ([9])
4 -آثار لكثير من المدارس العلمية التي اندثرت
- هناك عدة مدارس لازالت آثارها شاهدة علي دورها العلمي الذي كانت تقوم به منذ أزمان بعيدة ،
ومن هذه المدارس ، مدرسة أبو الحسن المريني
وهي : المدرسة القديمة التي أصبحت اليوم أثرا بعد عين ، والتي قام ببنائها السلطان أبو الحسن المريني وبجانبها ناعورة ( سانية ) كانت تزود طلبة العلم بالماء الشروب وهي في نفس الوقت كانت تزود المصلين والمترددين على المسجد الأعظم الذي يقع في وسط المدينة ([10]) ولنا عودة أخرى مع تاريخ الغرب الإسلامي





بورتيس ريتيلس، أو البريجة أو مازيغن، أو المهدومة، أسماء لمدينة الجديدة والتي وضع الفينيقيون حجرها الأساس قبل 3600 سنة، كما ورد في العديد من النشرات الإلكترونية، قبل أن يحط الرحال، الرحالة البرتغالي جورج ديملو، بموقع الشيخ ابريجة، والذي تحول إلى مزاغان، تحويرا لاسم مازيغن، في بداية القرن السادس عشر بعدما تاه في مياه المحيط، وإن كانت أخبار تشير إلى أن موقع الجديدة، قديم جدا، يعود إلى 700 سنة قبل الميلاد، تم إحداثه على يد بحارة لبنانيين، فإنه وخلال القرن الخامس قبل الميلاد، تحدثت أخبار تشير إلى رحلة حانون والذي خرج لغزو الساحل من أجل إنشاء سبع مستعمرات ومنها ريزيبيس والتي تم تحديد موقعها على بعد 10 كلم جنوب مدينة الجديدة وهو ما يوافق مدينة تيط، مولاي عبد الله الحالية...
تثبيت القدم

ولما حط البرتغاليون الرحال بمدينة آزمور سنة 1502، وفي إطار البحث عن مواقع جديدة، اكتشفوا خليج الشيخ ابريجة، ووجدوا فيه ما كانوا يبحثون عنه، قربه من السهول والأراضي الخصبة والغابات التي كانت تكسو المنطقة، وشساعة الأراضي الفلاحية الخصبة وتوفر الماء والكلأ، فتركوا بضعة من رجالهم يحرسون المكان وعادوا إلى البرتغال من أجل إعداد العدة، على أمل الرجوع في أقرب وقت ممكن، إلا أن ذلك تأخر إلى سنة 1914، حيث شرعوا في بناء السور العظيم، لما يسمى الآن بالحي البرتغالي والذي استعمل في بنائه، الصخر والحجر والجير، واستمر البناء إلى غاية 1941، وكان طول الأسوار يصل إلى كيلومترين ونصف، وسمكها يتجاوز أحيانا أربعة أمتار وبعلو مترين ونصف في البداية، قبل أن يتم تعليتها فيما بعد، وكان الماء يحيط به اتقاء عوادي الغزاة والحماة عبر خندق عرضه 35 متر، وشكل هؤلاء الغزاة والحماة، خطرا دائما وقائما على المستعمر والذين كانوا ينطلقون من حصن الفحص الجنوبي وحصن تكني الشمالي، وشكل المجاهد العياشي والذي كان يقوم بتأليب السكان ضد المحتل البرتغالي إحدى أهم دعامات الجهاد والذي قاد ودفع البرتغاليين إلى مغادرة المدينة بعد حوالي قرنين من الاحتلال...
الفسقية أو المطفية
كان الهاجس الأمني يحرك المحتلين، سيما وان المناوشات لم تتوقف أبدا، ابتداء بمحاولة السلطان مولاي عبد الله السعدي إجلاء المستعمر البرتغالي سنة 1562، دون أن يوفق في ذلك، وجاء بعده المجاهد العياشي والذي عمل على تأطير وتجميع السكان الأصليين وقام بمهاجمة القلعة سنة 1639، إلى أن حلت ساعة الحسم سنة 1769، ليتم إجلاء البرتغاليين عن الجديدة من طرف سيدي محمد بن عبد الله، لهذه الأسباب تم بناء الفسقية واتخذها البرتغاليون، أول الأمر، كمخزن للسلاح وإيواء العسكر والخيول، قبل أن تتحول في أيام الحصار كمخزن للمياه، وتنفرد الفسقية ببنائها الهندسي الفريد من نوعه، وهو على شكل مربع بأربع رؤوس تشكل نجمة رباعية، طول ضلعها 34 متر، وتتوفر على فوهة دائرية في مركزها تتيح دخول الضوء، وترتكز على 25 سارية ومساحة تصل إلى 1100 متر مربع، وظلت الفسقية مجهولة منذ غادرها البرتغاليون إلى حدود سنة 1916، عندما حاول أحد التجار اليهود توسيع دكانه وشرع في عملية الهدم، فانفجر الماء قويا وهو ما جعله يفر في اتجاه السلطات المحلية مخبرا إياها أن البحر هجم على دكانه...
وظلت الفسقية منذ منتصف القرن الماضي قبلة لصناع وهواة السينما وشهدت سنة 1949 تصوير مشاهد من الفيلم الخالد لأورسن ويلز، عطيل، وجاء بعده فيلم عودة الحصان الأسود من إنتاج فرانسيس فورد كوبولا، وفيلم حرم لأرتر جوفي والفيلم الأمريكي الذي صور سنة 2004 بعنوان صحراء وشارك فيه كل من بينيلوب كروز وماك غوري، وشهدت تصوير أفلام أخرى كالفيلم الإفريقي شاكا زولو والفرنسي إزنز كود وفوريا وغيرها من الأفلام الأخرى، وكان العديد من السينمائيين المغاربة، قد نادوا بتحويلها إلى استوديو عالمي للسينما، دون أن يجد هذا النداء أذانا صاغية...
المهدومة/الجديدة
قضى البرتغاليون مدة إقامتهم بمازاغان في صراعات وحروب لم تنقطع أبدا، وفي الربع الأخير من القرن الثامن عشر، قرر الحاكم البرتغالي إخلاء المدينة والتوجه إلى البرازيل من أجل البحث عن آفاق آمنة جديدة، حيث ومن فرط حبه للجديدة تم إحداث مدينة جديدة بمصب الأمازون، لا زالت لحد الآن تحمل اسم مزاغان الجديدة، فقرر أن يمارس سياسة الأرض المحروقة بعده، وهو ما جعله يدفن 25 برميلا من البارود في السور الموالي للمدينة، أي قرب برج سانت أنطوان وغادر المدينة، صحبة رجاله، عبر باب البحر قرب برج الملائكة، وهدموا البنايات الداخلية وقطعوا أرجل الدواب والخيول وحرقوا المؤن التي استعصى عليهم حملها معهم، وفجروا السور ولحسن الحظ، أنه لم يسقط كاملا بل ظل جانبه الداخلي صامدا، وظلت المدينة شبه مهجورة تحمل اسم المهدومة، إلى حدود العشرينات من القرن الماضي، حينما قرر المولى عبد الرحمان باشا المنطقة، إعمار المدينة من جديد ومنع وحرم استعمال اسم المهدومة، وجيء بالعديد من السكان ومن ضمنهم الجالية اليهودية والتي كان البعض منها يقيم بأوروبا، واستوطنت الملاح، إلى أن تم اكتشاف الفسقية/ المطفية كما سلف...
الترميم والتصنيف
ظلت الجديدة من أهم المدن المغربية التي تتوفر على تراث معماري أصيل لكونه يجمع بين الهندسة الكولونيالية واليهودية والإسلامية في اتحاد غريب لا زالت معالمه تظهر بجلاء في نمط البناء، سواء ما يتعلق بالكنيسة أو النوافذ والأبواب والأسوار، وظلت المدينة/الحي البرتغالي يخضع للعديد من الترميمات والرتوشات والتي تفقد يوما عن يوما، قليلا إن لم نقل كثيرا من خصوصياته المعمارية، وظلت ولا تزال بعض المرافق والدهاليز مجهولة، حيث تم خلال سنة 2000، فتح جناح ظل غير مستغل، كان البرتغاليون يستعملونه كسجن، ومعلوم أن الحي البرتغالي تم تصنيفه كتراث عالمي إنساني في الثلاثين من شهر يونيو2004، أثناء انعقاد الدورة الثامنة والعشرين لليونسكو المنعقدة آنذاك بالصين، وتقتضي الضرورة الآن إبداء مزيد من الاهتمام لهذا التراث والعمل على إحياءه ورد الاعتبار إليه سيما وأن العديد من مرافقه بدأت تندثر وبدأ هواة السطو والسرقة يأتون على بعض من هذا التراث، خاصة وانه شاع مؤخرا، خبر سرقة مدفع من المدافع التي كانت تؤثث الأبراج وقد نستيقظ يوما من الأيام ونجد ما فضل منها قد طار مع الطيور التي تتخذ من هذه الأبراج، مقرا لها ومستقرا إلى حين، وقد نستفيق على انهيار سور أو جزء منه كما يحدث الآن على بعد أمتار من باب البحر الشهير...

مقاومة الاستعمار البرتغالي بالبريجة (1505 – 1769م)


تمهيد :
تعرضت الشواطئ المغربية للغزو الإيبيري منذ العهد المريني، وظهرت ثلاث ممالك مسيحية: قشتالة والأرغون والبرتغال، وتكونت طوائف دينية وعسكرية لمحاربة المسلمين. وتقدمت البابوية بتزكية غزو المغرب؛ فازداد النفوذ البرتغالي، وتشعبت مصالحه في المنطقة، وبدأ يهيئ الظروف ليجعل الشواطئ المغربية تابعة للتاج البرتغالي.
وقد لاحظ د. شوقي عطا الله الجمل أن البرتغاليين لم يكتفوا « بطرد المسلمين من شبه جزيرة إيبريا، بل تعقبوهم في القارة الإفريقية حيث شنوا على المسلمين حربا يمكن أن نعتبرها امتدادا للحروب الصليبية، فقد كان الهدف الديني في مقدمة الدوافع لها، وشارك فيها أكثر من بلد أوربي، كما لعبت البابوية دورا هاما فيها»[1].
وبالرغم من عجز السلطة القائمة آنذاك عن توحيد السلام، إلا أن شرارة المقاومة انطلقت لمواجهة المد البرتغالي، فماذا عن المقاومة المغربية من أجل تحرير مدينة الجديدة التي ارتبط بها البرتغاليون ارتباطاً خاصا؟

أولا: الاستعمار البرتغالي والمقاومة المغربية:

بدأ الاستيلاء على الثغور المغربية منذ أبي سعيد عثمان المريني (800 – 823هـ/1397 – 1420م) حيث احتل البرتغاليون مدينة سبتة سنة 818هـ/1415م.
وبعد محاولات للاستيلاء على طنجة سنة 1437م، تمّ احتلال القصر الكبير سنة 1458م، وتمكن إدوراد الأول ملك البرتغال من احتلال طنجة وأصيلة سنة 876هـ/ 1471م.
وتلك فترة بدأ فيه العهد الوطاسي (876 – 971هـ/1471 – 1553م)، وهي فترة تم فيها الاستيلاء على الثغور الجنوبية للمغرب؛ تباعا في عهد محمد الشيخ الوطاسي (876 – 910هـ/1471 – 1505م)، وولده عبد الله محمد البرتغالي (910 – 932هـ/1505 – 1524م).
وفي عهده ظهر السعديون بناحية سوس سنة 956هـ/1510م، وقد لاحظ صاحب الاستقصا أن البرتغاليين قد أصيبوا بالشره لتملك سواحل المغرب الأقصى،« وجالدوا أهلها دونها، حتى تمكّنوا منها (...) فقويت شوكتهم وعظُم ضررهم على الإسلام، وطمحت نفوسهم للاستيلاء على ما وراء ذلك (...) وكان ذلك كله فيما بين انقراض دولة بني وطاس، وظهور دولة الشرفاء السعديين» [2].
وكان الموقع الحالي للجديدة، أول موقع تم اختياره للاستيلاء على بقية ثغور الجنوب، والانفتاح على دكالة وسوس بخيراتهما الفلاحية. وكان ذلك الموقع يعرف ببرج الشيخ. ( فالبريجة = مازيغن، مانزغان، مازغان).
يقول الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله عن مدينة الجديدة أنها كانت تسمى مانزغان، ثم سميت البريجة ثم المهدومة، وبعدها تجدد بناؤها فسميت الجديدة[3].
وبالرغم مما أظهرته السلطة المغربية آنذاك من تخاذل وضعف، وبالرغم من تفتت المغرب في هذه الحقبة التاريخية، وتهافت البرتغال والإسبان والأتراك عليه؛ فإنه لم يستسلم لأي نفوذ أجنبي.
وهكذا قاوم المغاربة الاستعمار البرتغالي، وأقام الرباطات حول الثغور، ووقف في وجه كل توسع داخل البلاد. فبعد استيلاء العدو على ثغور المسلمين، تبارى المغاربة « في جهاده وقتاله، وأعملوا الخيل والرَّجل في مقارعته ونزاله، وتوفرت دواعي الخاصة منهم والعامة إلى ذلك، وصرفوا وجوه العزم لتحصيل التواب فيما هنالك»[4].
وأعلام هذه المرحلة من المجاهدين، دَعَوْا إلى الجهاد كتابةً وسلوكاً، كما تشير إلى ذلك كتب التراجم. وذكر صاحب الاستقصا أن غارات المسلمين المجاورين للبرتغال، ظلت مسترسلة لا تنقطع عنهم[5].
وقد توالت هذه المقاومة المغربية للاستعمار البرتغالي خلال الوطاسيين والسعديين وبداية العلويين، وذكر د. عبد الهادي التازي أن الثغور المغربية شهدت « كلها ملاحم رائعة في البطولة، فريدة في التضحية، معارك مستمرة لم تفتر أيام الاحتلال. لقد خبر البرتغال في المغاربة طائفة من المفاجآت ومن الخُدَع الجريئة؛ تلقوْا أحيانا وابلا من القذائف التي كانت عبارة عن أكياس محشوة بالعقارب، وأحيانا بكتل من النحل انهالت عليهم باللسع واللدغ فانتفخت وجوههم وأغمضت عيونهم وأقعدتهم إلى الأرض»[6].
فما كان نصيب البريجة (مازغان) من هذه المقاومة؟

ثانيا: المقازمة من أجل تحرير البريجة ( مازغان):

أ – المقاومة في العهد الوطاسي:

زعم البرتغاليون أن قِطَعاً من الأسطول البرتغالي ساقتها العاصفة إلى شاطئ البريجة سنة 1502م، وكان ذلك في عهده محمد الشيخ الوطاسي (1471 – 1505م)، والحق أنه كان أول احتلال لساحل البريجة ضمن خطة عامة للاستيلاء على شواطئ جنوب المغرب.
أول بادرة للمقاومة الشعبية كانت سنة 1505م إثر عودة جورج دو ميلو ( J. Demello) [ وهو أحد نبلاء البلاط الملكي وقائد رماة الفرسان)، فقد عاد دوميلو مع جماعة من البنائين بأمر من الملك البرتغالي مانويل؛ لإقامة حصن بالبريجة. وما أن ظهرت معالم الحصن حتى جاء سكان المنطقة لهدمه وطرد البرتغاليين المغامرين منه،« ففرَّ النصارى إلى البريجة وتحصنوا، وأفسد المسلمون ما كانوا عملوه في تلك الأيام، وأجحروهم بحصنهم [ أدخلوهم في جحورهم]، ووضعوا عليهم الرصد إلى أن فتر عزمهم، ويئسوا من من نجاح سعْيِهم فعاد جلهم أو كلهم إلى لشبونة»[7].
ولا ننسى أن الوطاسيين قد تولوا الحكم تحت شعار الدفاع عن الوطن.

ب – المقاومة في العهد السعدي:

تولى السعديون الحكم تحت شعار مواجهة البرتغاليين، وتطهير الثغور المغربية منهم، فقد استطاع أبو عبد الله محمد الشيخ السعدي (946 – 964هـ/1540 – 1557م) أن يفتح حصن فونتي 947هـ، بعد أن أقام فيه البرتغاليون اثنين وسبعين سنة، وتركوا له أسفي سنة 948هـ/1541م، وأصيلا وأزمور من غير قتال.
« وفي فجر مارس 954هـ/1547م هاجمت كوكبة من مائة فارس مغربي مدينة البريجة، فواجهها حاكم المدينة « لويز دو لوريرو » ( Louis de Luureiro) مصحوبا بابنه مع مائة وعشرين فارسا وثلاثمائة راجل، فتظاهر المقاومون بالانسحاب لاجتذاب الحاكم ورجاله إلى فخ نصبه القائد حمو بن داود، الذي كان على رأس ستين آلاف فارس، فهلك البرتغاليون ومن ضمنهم نجل الحاكم.
وقد طوق الشريف السعدي عبد الله الغالب بالله البريجة المحتلة من طرف البرتغال بمأتي ألف جندي ( 120000 من المشاة و17000 فارس و13500 من الطلائع مع 24 مدفعا »[8].
وحاصر عبد الله الغالب بالله البريجة سنة 969هـ/1562م، وجهز إليها جيشا كثيفا واستنفر لها قبائل الحوز، وجعل قيادة الجيش لابنه المعروف بالمسلوخ، فحاصر الجيش المدينة أربعة وستين يوما، وحطم بعض أسوارها، ولم يقض الله بفتحها كما قال صاحب الاستقصا[9].
وفي كتاب «نزهة الحدي بأخبار القرن الحادي» أن القائد علي بن تودة دخل البريجة وأخذ أسوراها، وعزم على أن يستأصل في الغد بقيتها (...) فكتب إليه السلطان الغالب بالله ينهاه عنها، فتراجع النصارى إليها بعد أن ركبوا البحر عازمين على الجلاء عنها»[10].
ونقل الناصري عن لويز مارية المؤرخ البرتغالي، وصفا لحصار البريجة، بلغت فيه خيل المسلمين نحو ثلاثين ألفا، والرماة ضعف ذلك، وكان فيهم عسكر الترك المعروف بالبلدروش، وكانوا يومئذ جندا للسعديين، وكان معهم عشرون مدفعا ...
وتقدموا إلى البريجة فحاصروها حصارا شديدا، وحاربوها حربا هائلة، وأرسل الترك عليهم أنواع الحراقات. وبعد حصار مرير ارتحل المسلمون فعمل النصارى لذلك عيدا، وأحدثوا في كنائسهم صلوات لم تكن قبل، وذلك بإشارة من بابا بروما[11].
ولاحظ الأستاذ عبد اللطيف الشادلي أن أحمد المنصور (ت1012هـ/1603م)، وهو في أوج عظمته، لم يفكر في تنظيم حملة ضد المراكز المحتلة، مثل طنجة وسبتة ومليلية والبريجة، أما أبناؤه فقد تنازعوا بينهم وتوقفوا عن الجهاد، وبعضهم هادن البرتغال كما فعل زيدان السعدي (1603 – 1627م)، حينما ربط علاقات طيبة مع حاكم البريجة جورج ماسكاريناس ( Jorje Mascarenhas)، وقد زود هذا الأخير زيدان بفرقة من 200 جندي لمساعدته على حروبه ضد الحاحي (1625م)، بالإضافة على عتاد وذخيرة، بل كانت الهدايا تأتي من صاحب البريجة إلى زيدان، بل وتقاطرت على زيدان قبيل ذلك العروض باللجوء إلى البريجة ومنها إلى إسبانيا[12].
وهكذا توقف أبناء المنصور عن مواجهة الاحتلال البرتغالي، ولم تتجاوز سلطة السعديين المناطق المحيطة بمراكش من سنة 1626 إلى سنة 1658م، وتقاسمت البلاد ثلاث قوى سياسية: أبو حسون السملالي في الجنوب الغربي، والدلائيون في وسط وشرق المغرب، والعياشي في الشمال الغربي وفي الغرب[13].
أمام التراجع الذي عرفته الدولة المغربية؛ ظهرن زعامات في رجال الجهاد والتصوف، وقبل نهاية القرن السادس عشر، ظهرت مجموعة من الزوايا أشهرها: الزاوية الناصرية (1576م) والزاوية الفاسية (حوالي 1581م) والزاوية الدلائية (حوالي 1655م).

ج – جهود العياشي في تحرير البريجة:

حين عجزت الدولة السعدية عن متابعة الجهاد، كان من بين المجاهدين الذين ربطوا في الثغور، ووقفوا في وجه البرتغاليين؛ فقيه متصوف، هو محمد بن أحمد المالكي، المعروف بالعياشي (9080 – 1051هـ/1573 – 1542م)؛ تلميذ عبد الله بن حسون أحد أولياء سلا، وقد وجهه شيخه لمحاربة البرتغاليين بالبريجة، فاستقر العياشي بناحية أزمور حوالي عشر سنوات، وعرف الناس رغبته في الجهاد، فطلب السكان من زيدان السعدي، أن يوليه قيادة أزمور وناحيتها، فاتجهت عنايته إلى طرد البرتغاليين من شواطئ الغرب ودكالة. ويذكر اليفرني أن أهل البريجة كانوا قد عقدوا الهدنة مع أهل أزمور مدة، فكان من عزة النصارى وذلة الإسلام في هذه المدة، ما تتفطّر منه الأكباد، فقد أصبحت زوجة قبطان البريجة تُستقبل بالزغاريد والولائم والهدايا خارج المدينة[14].
وظل العياشي يراقب تحركات البرتغاليين بالبريجة، يشتبك معهم في حروب، ويحصل على غنائم وأسرى، وكان يبعث بها إلى زيدان بمراكش.
يقول الناصري عن العياشي:« وكانت له مع نصارى الجديدة وقائع، وضيّق عليهم حتى منعهم من الحرث والرعي، فبعث النصارى إلى حاشية السلطان زيدان بالتحف ونفائس الهدايا؛ ليعزلوا عنها أبا عبد الله المذكور؛ لمضايقته لهم، فخوَّفوا السلطان زيدان عاقبته وحضُّوه على عزله (...)، وأنه يُخشى على الدولة منه»[15].
وعموما ظل زيدان السعدي مسالما للحكام البرتغاليين بالبريجة، وراحوا يقدمون إليه المدافع في كل المناسبات.
وتوفي زيدان سنة 1037هـ/ 1627م، وظلت البريجة في أيدي البرتغاليين تنتظر إلى حدود 1182هـ/1768م، حيث سيتم تحريها على يد السلطان العلوي محمد بن عبد الله.
فكيف تم ذلك الفتح، ذلك ما سنراه في القسم الثالث والأخير من هذه الدراسة.

[ نشر هذا المقال في مجلة الدراسات والإعلام ( القوات المسلحة الملكية، الرقم 282، سنة 1996، ص35 – 38].



[1] الحسن بن محمد الوزان وإنتاجه الفكري والمؤثرات التي تأثر بها: د. شوقي عطا الله الجمل، مجلة المناهل المغربية، وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية، الرباط، العدد 2، السنة 2، مارس صفر 1395هـ/ 1975م، ص244

[2] الاستقصا لأبار دول المغرب الأقصى: أبو العباس أحمد بن خالد الناصري، تحقيق: جعفر الناصري ومحمد الناصري – ط1 [ الدار البيضاء، دار الكتاب، 1955م]:4/110
[3] التطور الحضاري ومظاهره في إقليم الجديدة: عبد العزيز بن عبد الله، مجلة المناهل، وزارة الشؤون الثقافية، الرباط- المغرب، العدد 27، السنة 10، شوال 1403هـ/ يوليوز 1983، ص37
[4] الاستقصا:4/111

[5] نفسه:5/42
[6] أزمزر مولاي بوشعيب من خلال التاريخ المحلي والدولي للمغرب: د. عبد الهادي التازي، مجلة المناهل العدد 35، السنة 13، ص104

[7] الاستقصا:4/136
[8] التطور الحضاري ومظاهره في إقليم الجديدة، ص88
[9] الاستقصا:5/42

[10] نزهة الحادي: محمد الصغير اليفراني، نشره هوداس – ط2 [ الرباط، مكتبة الطالب، د.ت]، ص49

[11] الاستقصا:5/43
[12] الحركة العياشية، حلقة من تاريخ المغرب في القرن 17: عبد اللطيف الشادلي – ط1أ الرباط، منشورات كلية الآداب والعلز الإنسانية – أطروحات ورسائل :10 – 1982] ص45 - 46

[13] المرجع السابق، ص48

[14] نزهة الحادي، ص268

[15] الاستقصا:

دكالة العروبة و التاريخ

دكالة العروبة و التاريخ:

دكالة، أكبر الأقاليم الزراعية في المغرب، يحده شمالا وادي أم الربيع مع إقليم الشاوية (تامسنا التاريخي)، و جنوبا إقليم عبدة (تاريخيا دكالة الحمراء)، و شرقا إقليمي قلعة السراغنة و سطات. منطقة حافلة بالأحداث التاريخية و معقل العروبة في مغرب اليوم.
و قد اختلف في تسمية دكالة فقيل أن أصلها قبيلة دكالة الأمازيغية التي سكنت المنطقة إلى غاية قضاء الموحدين على مملكة برغواطة، أما محمد شفيق ومحمد الفاسي فيرجعان أصل دكالة إلى كلمتين: "دو" أي تحت و"أكال" أي الأرض. وتعني "دكالة" الأرض المنخفضة، وهي بالفعل أرض منخفضة مقارنة مع المناطق المجاورة. أما أحمد توفيق في تعليقه على كتاب "التشوف إلى رجال التصوف" يرجع أصلها إلى "إيدوكلين" أو إيداوكلن أو إيدركالن. ويلتقي مع محمد شفيق في الاحتمال الأخير على اعتبار أن فعل "إدرا" يعني بالأمازيغية "انخفض". وفي احتماله الأخير يرجع أصل دكالة إلى تيديكلت أي راحة اليد. ومما يؤيد هذا التفسير وجود منطقة في الصحراء الكبرى تحمل اسم تيديكلت.


دكالة ما قبل العروبة:


يعد بزوغ مملكة بورغواطة نقطة تحول تاريخية في تاريخ المغرب و تاريخ دكالة، فهذه المملكة ظهرت بعد اعتناق قبائل مصمودة الاسلام في بداية القرن الثامن و إنتفاضة ميسرة (739 742) ، أقام بربر بورغواطة دولتهم على الساحل الاطلسي بين آسفي وسلا، أي المنطقة التي تضم اليوم أقاليم عبدة، دكالة، الشاوية و زعير.
لا نعرف كثيرا عن مملكة بورغواطة لعدم وجود تاريخ مدون، و عن طقوسهم الدينية التي تعد خليطا من مذاهب الخوارج و الشيعة و السنة، و اليهودية، و تقاليد الوثنية ذات علاقة بالتنجيم. و قيل أنه كان عندهم "قرآن" يحتوي على 80 سورة بالأمازيغية.
حكم البورغواطيون في منطقة تامسنا لأكثر من ثلاثة قرون (744- 1058). تحت حكم صالح بن طريف ، إلياس بن صالح (792- 842) ؛ يونس (842 -888) وابو غُفيل (888 - 913)، ظلت المملكة القبلية موحدة ، و ارسلت بإستمرار ببعثات إلى القبائل المجاورة. لم تدم العلاقات الطيبة مع خلافة قرطبة طويلا حيث قُطعت في مع حكام الأمويين القرن العاشر . هجومين للأمويين ، فضلا عن الهجمات التى شنتها الفاطميون قد صُدت من قبل بورغواطة. نشبت حرب عصابات مكثفة مع بنو يفران من القرن الحادي . مما أضعف بورغواطة كثيرا ، إلا انها ما زالت قادرة على صد هجمات المرابطين (سقط الزعيم الروحي للمرابطين ، عبد الله بن ياسين في معركة ضد البورغواطيين سنة 1058). و كانت نهاية بورغواطة على يد الموحدين سنة 1149م وسط إبادة جماعية للبورغواطيين من قبل أسود مصمودة جنود الدولة الموحدية.


دخول العرب دكالة :


قرر بنو غانية أن يعيدوا مجد دولة المرابطين (أخوالهم) وأن يستردوا ما أمكن من المناطق من أيدي الموحدين. وقام اثنان من أفراد هذه الأسرة، وهما علي بن إسحاق (1184-1185 م) ثم يحيى بن إسحاق (1187-1203 م) من بعده بالاستيلاء على العديد من المدن في شرق الجزائر ومقاومة نفوذ الموحدين فيها، واستطاعا الصمود سنوات طويلة في وجه حملات الجيوش الموحدية. دامت المرحلة الأولى، التي عرفت سيطرة بني غانية على مناطق شرق الجزائر حتى مقتل علي بن إسحاق سنة 1227 م، فتابع يحيى بن إسحاق جهود أخيه حتى وفاته سنة 1236 م.
و يحكي الناصري في كتابه «الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى» حكاية خروج علي بن إسحاق المسوفي المعروف بابن غانية على يعقوب المنصور الموحدي والمعركة التي جمعت بينهما وانتهت باندحار ابن غانية.
بعد انتصار المنصور الموحدي أدخل قبائل العرب التي ناصرت بن غانية و أنزلها المغرب، بعضها بتامسنا و بعضها بالهبط و بعضها بدكالة. و الذين أنزلوا بدكالة كانوا من عنصر الأثبج أو الداخلين في نسبهم حلفا كقرة و عمرو. و في هذا قال الحسن الوزان صاحب كتاب وصف إفريقيا ص 50 : كانت أثبج أشرف العرب و أنبهها شأنا فاختارهم المنصور لسكنى دكالة و سهول تادلة و يؤدون في أيامنا هذه ضرائب جسيمة لملك البرتغال تارة، و لملك فاس تارة أخرى، و يبلغ عددهم نحو مائة ألف مقاتل نصفهم من الفرسان.
يثير البعض قضية وجود العنصر الأمازيغي في دكالة بعد دخول العرب، و الكلام في هذا واضح لا لبس فيه:
أولا: يجب الوضع في عين الإعتبار أن الإبادة الجماعية التي تعرض لها البورغواطيون جعلت مناطق كاملة خالية من السكان، و منع الموحدون الإستقرار بها، خصوصا البوادي التي وطنوا بها العرب بعد ذلك.
ثانيا: أن ما ساقه ليون الإفريقي في أسماء حواضر دكالة ذكر أسماء بعضها عربية و أخرى أمازيغية، و هذا نستفيد منه شيئين:
أولا: أن الأسماء العربية وضعت لحواضر وجدت خالية فالعرب بدو لا يبنون مدنا (راجع ص 153 154 155 من وصف إفريقيا)
الثاني: أن الحواضر التي يغلب أن يكون أهلها أمازيغ نقل ملك فاس ساكنتها من دكالة و انتقلوا منها بعد الغزو البرتغالي . انظر قنط، تيط، تمراكشت، المدينة، تركا و آزمور ص 152 إلى 159 من كتاب وصف إفريقيا.
ثم احتجوا بكلام نقله أحمد بوشارب في كتابه دكالة و الإستعمار البرتغالي عن قبيلة مشتراية أو امنشزان و قال بربر مستوطنون بين آزمور و المدينة الغربية و قال إلى غاية القرن السادس عشر (أي إلى غاية بدء الإستعمار البرتغالي)، و الجواب عن هذا الكلام تجده في الحديث عن آزمور و المدينة في وصف إفريقيا، فأما المدينة فنقل ملك فاس أهلها إلى مملكته حذرا من البرتغاليين ص 153 أما آزمور فلدى سقوطها انتقل بعض أهلها إلى سلا و بعضها إلى فاس ص 157 إلى 159
و هذا يضاف إليه كلام الناصري حول استرجاع آزمور، فالولي أبو مدين نزل على أولاد ذويب و استعان بهم للإنقضاض على مدينة آزمور و لا تجد ذكرا في هذا لمشتراية أو إمنشزان لا من قريب أو بعيد و لو كانت موجودة لكان النزول عليها أولى.
فالتاريخ يحيل على عروبة العنصر الدكالي بدون لبس إذا ما قرأناه بتأني و جمعنا نصوصه.


دكالة البيضاء و دكالة الحمراء:



هذا التقسيم جاء نتيجة فتنة أولاد زيد التي تعرف تاريخيا بثورة أولاد زيد إحدى الفخدات السبع المكونة لقبيلة البحاترة ، أوسع قبائل عبدة مساحة وأكثرها سكانا، ولئن كانوا محسوبين على البحاترة، فإنهم في أرومتهم وأصلهم غرباء عنها، وعن مجموع قبائل عبدة، لا تربطهم بهم أية قرابة دموية أو حتى جوار جغرافي بمواطنهم الأصلية، التي وفدوا منها، فأولاد زيد ينحدرون من تجمع قبائل دكالة، فهم ينتسبون إلـى قبيلة أولاد فرج ، إحدى القبائل الست المكونة لما يسمى قبائل "الشرقية"، والتي كما يفصح اسمها، وفدت على دكالة من هضاب ونجود المغرب الشرقي ؛ ويظهر أن أولاد زيد كانوا يمتهنون الرعي، كأسلافهم القدامى بسهوب المغرب الشرقي، وأنهم لم يعطوا كبير اهتمام للزراعة كبقية إخوانهم بدكالة وجيرتهم عبدة، ومن المحتمل جدا أن مستقر أولاد فرج على الضفة اليسرى لنهر أم الربيع شرق مدينة أزمور، قد شهد زيادة كبيرة في عدد السكان، وتوسعا في الاستغلال الزراعي، بفضل ما يوفره السهل الفيضي هناك من خصوبة متجددة وماء متدفق، الأمر الذي ضيق من مجال نجعة أولاد زيد، ودفع بهم إلى خارج ديار أهليهم وعشيرتهم، ليجدوا في الجوار القريب بجهة "الساحل" المسرح المنشود، فأراضيه صخرية، لا تصلـح للحرث والزرع ، تتكاثف بين حجارة صخورها باقات متفرقة من العشب، تستفيد في نموها وتجدد إنباتها من المطر ورطوبة البحر، ولاشك أن أولاد زيد استطابوا المقام بهذه الجهة ، مشجعين بإمكانياتها الرعوية وقلة عدد سكانها، إذ كان الوطاسيون هجروا أكثرهم سنة 1515، ونعتقد أن نزوح أولاد زيد إلى الساحل حدث قبل توسع قبائل عبدة في الشمال والشرق خلال القرن الثامن عشر، وقبل أن يتم الفصل الإداري والتمييز القبلي بين دكالة البيضاء في الشمال ودكالة الحمراء في الجنوب، أي بين ما أصبح يعرف لاحقا بدكالة وعبدة سنة 1153هـ /1740م.

قبائل دكالة اليوم:

تتكون دكالة اليوم من ست قبائل تاريخية و هي أولاد فرج، أولاد بوعزيز، أولاد عمران، أولاد عمرو، أولاد بوزرارة و العونات و قبيلتين وافدتين لحاجة المخزن الأمنية و هما هشتوكة من قبيلة مصمودة الأمازيغ و عرب الحوزية التي ترجع أصولهم إلى مجموعة قبائل عربية صحراوية نقلها السعديون إلى حوز مراكش فسميت السوسية ثم الحوزية (انظر كتاب المعسول للمختار السوسي) و أخيرا فرقة من عرب الشياظمة انتقلت من موطنها جنوب عبدة و استقرت شمال منطقة دكالة.

عبيد الله

دكالة في تاريخ المغرب

دعوة الحق
220 العدد

ليس من منهاجي هنا أن ابدأ القصة من أولها وأتحدث عن حياة الإنسان القديم في المغرب عموما ودكالة خصوصا . لان الأدلة العلمية أثبتت أن حياة الإنسان في بلادنا عريقة في القدم ضاربة جذورها في أعماق التاريخ . وقد تركت لنا هذه الحياة بعض ما أبقى عليه الزمان من أدوات حضارية كان الإنسان القديم يستعملها في حياته اليومية. ومصالحه المعاشية وهو في طريقه إلى التحضر والاستقرار..؟ وفي هذا الإطار تدخل تلك المخالفات التي يتلاحق ويتتابع ظهورها بعد الحفر والتنقيب في عدة جهات من المغرب. حيث نجد في بقاع من إقليم درعه جنوبا. وفي بقاع مجاورة لشواطئ البحر المتوسط غربا. وفي أماكن أخرى سهلية وجبلية كهوفا ومغارات ما تزال إلى الآن تحتضن أدوات حجرية كان الإنسان المغربي القديم يستعملها في الحفر والقطع والنقب والكسر والدفاع عن النفس .والصيد وما إلى دلك...
ومغارة سيدي عبد الرحمان في البيضاء ليست بعيدة عنا ...كما أن مغارة الخنزيرة بدكالة , جنوب مدينة - الجديدة- قريبة منا ...(1).
فالإنسان المغربي شمالا وجنوبا وشرقا وغربا عريق بالسكنى والتحضر بهدا الوطن. وقد شاهد عصور التاريخ . وجاوزها إلى ما قبل التاريخ ... !
والنماذج التي يقدمها لنا الآن سكان المغرب في السهول والجبال هي نماذج اشترك في تكوينها عامل الاستمرار التاريخي. وعوامل التطور الحضاري والاقتصادي والاجتماعي. حينما التقت هنا موجات بشرية من الجنوب والشرق و الشمال...وكونت هذه الوحدة المغربية الأصيلة في تاريخها المتماسكة في بنيتها . المتفتحة على آفاق التطور والتجديد...
من هذه الأرضية الثابتة وعلى هذا الجسر من التفسير الاجتماعي والجغرافي سنعبر للحديث عن دكالة في التاريخ ...
والمنهاج يحتم علينا أن نقف قليلا عند كلمة –دكالة- لنحاول البحث في أصلها اللغوي من جهة. وفي دلالتها من جهة ثانية. وفي تاريخ استعمالها عند المؤرخين والجغرافيين والرحالين.
ففيما يرجع للأصل اللغوي للكلمة هناك طريقتان للبحث. طريقة من يرجع بها إلى أصل عربي. فيعتبرها عربية المادة الحرفية. عربية الدلالة اللغوية. ويلتمس معانيها من معاجم اللغة العربية.
وهناك طريقة من يرجع بها إلى أصل غير عربي فيعتبرها امازيغية الأصل مركبة من شطرين أضيف احدهما إلى الآخر كما سنرى فيما بعد ...
والبحث العلمي الدقيق يقف في مثل هذه الموضوعات موقف التحفظ والاحتياط والحذر لئلا يقع في مآزق وقع فيها سابقون ولاحقون .
واذا أخدنا المعاجم العربية وقد كتب بعضها منذ قرون خارج المغرب فإننا نجد هده المعاجم تحتفظ بالمادة الحرفية..د-ك-ل- كما تحتفظ بالمعاني اللغوية التي تعطيها هذه المادة ... ونحيل من أراد معرفة هذه المعاني على معجم تاج العروس (2) شرح القاموس ليرى هناك المعنى المناسب . كما نحيله على معجم دوزي DOSY أيضا … !(3) .
أما اذا رجعنا بكلمة –دكالة- إلى أصل غير عربي فإننا نجد عدة توجيهات وتفسيرات ولا نريد الآن استقصاءها وإنما نشير إلى بعضها فقط. حيث يقول هذا التوجيه أن الكلمة ذات شطرين : دو معنى أسفل. واكال. بمعنى البلد. فيكون المراد على هذا التوجيه. الأرض المنخفضة أي السهل المنبسط من الأرض...
وبطبيعة الحال فإننا لا نجزم جزما. ولا نفرض رأيا ولا نفضل توجيها على آخر. وإنما نفسح الطريق أمام البحث والدرس لتكون النتيجة دائما مدعمة باستنتاج معقول أو نص موثوق به... !
والمعاجم تأبى إلا أن تضبط كلمة –دكالة- فهناك ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان فيضبطها بفتح الدال(4) ... أما صاحب القاموس المحيط فيضبطها بضم الدال وتشديد الكاف ...ويحكى عن الصاغاني فتح الدال (5)...والنسبة إليها دكالي. وقد اشتهر بهده النسبة عدد كبير من الاعلام في كتب التراجم والطبقات. في داخل المغرب وفي الأقطار الإسلامية الأخرى...
وغني عن التأكيد أن الاستعمال المغربي للكلمة هو بصيغة الضم وتشديد الكاف كما عند صاحب القاموس المحيط.
و اذا انتقلنا إلى دلالة الكلمة في أقلام المؤرخين ونصوص الجغرافيين والرحالين القدماء فإننا نجد دلالات متعددة ... فهناك من يعبر بالمدينة ...؟ وهناك من يعبر بالقبيلة ...؟وهناك من يعبر بالإقليم...؟ ونفهم من بعض النصوص إنها تعني اتحادا أو تجمعا يستوعب عدة قبائل انحازت على ممر العصور إلى هذه الناحية المعينة، بسواحلها، وسهولها ومرتفعاتها... وكونت دكالة التاريخية ودكالة المعاصرة.
ومعلوم بالاستقراء والتتبع ان مدلول دكالة عند الإطلاق في المصادر القديمة يختلف بعض الشيء عن مدلولها عندنا الآن. بل إننا وجدنا هذا المدلول يضيق تارة ويتسع أخرى . حسب العصور التاريخية والأحوال الاجتماعية و السياسية التي سادت البلاد. و التيارات البشرية التي عرفتها هذه الناحية...
غير انه مما لا شك فيه أن عوامل جغرافية وتاريخية وبشرية عملت عملها لجعل مدلول كلمة –دكالة- ينصرف إلى هذه المنطقة المحددة بين نهر أم الربيع ونهر تانسيفت. والحوز والمحيط. وحتى هذا التحديد لا يخلو من تسامح... لاعتبارات لا يدركها حق إدراكها إلا من يزاول المصادر التاريخية والجغرافية القديمة والحديثة... ويرى في بعضها التناقض والخلطة والغموض والابتعاد عن الواقع الجغرافي والتاريخي للمنطقة . وليس من مناهجها أن تساير التقسيمات والتفريعات الجزئية التي ظهرت وتظهر لدكالة على تعاقب العصور فلا نتعرض لقصة دكالة البيضاء. ودكالة الحمراء. وما يفصل بينهما... ولا نتعرض لقصة القبائل الشرقية وأختها الغربية...كما لا نتعرض للجدل الذي يقوم حول أسماء بعض الوحدات
القبلية القديمة. هل هي داخلة تحت مفهوم كلمة دكالة أو لا...
وذلك لسببين أساسيين:
الأول –إن الفواصل الطبيعية أو الوهمية التي قامت عليها هذه التقسيمات والتفريعات إنما كانت اجتهادات متبوعة بدوافع ظرفية لا تثبت أمام الواقع التاريخي والبشري لهذه المنطقة من المغرب.
الثاني-إننا ننظر إلى المنطقة بمنظار تاريخي جغرافي، لا بمنظار آخر يجعل في تقديره هذه التقسيمات التي كان بعضها محليا ظرفيا... كما كان بعضها نتيجة عمل البرتغاليين أيام الاعتداء على شواطئ المغرب ومنها دكالة...
بعد تحقيق هده الدلالة - في الجملة ننتقل إلى محاولة معرفة الزمن الذي استعملت فيه هذه الكلمة في أقلام المؤرخين والجغرافيين والرحالين.
لحد الساعة لم نطلع على نصوص رومانية أو فينيقية وردت فيها كلمة -دكالة- كما إننا ولحد الساعة لم نطلع على نصوص من تاريخ المغرب الإسلامي أو جغرافيته في القرون الأولى وردت فيها الكلمة لا بالمعنى القبلي. ولا بالمعنى الإقليمي حسب الاستقراء والتتبع ... وسنشير فيما بعد إلى أن ابن عذارى استعملها في إخبار عقبة بن نافع أثناء فتوحه في المغرب.
وقد رحل إلى المغرب رحالتان شهيران في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي وهما ابن حوقل، والمقدسي، ونصوص رحلتيهما بين أيدينا... ولكننا لا نجد فيهما ظلا ولا اثر لكلمة دكالة. والمظنون انه لو كانت هذه الكلمة مستعملة اذ ذاك لذكرها ابن حوقل. فقد أفادنا هذا الرحالة بالشيء الكثير عن أسماء القبائل .والمدن. والقرى. والأقاليم. والأنهار. والجبال. والرباطات زيادة على المسالك. وطرق القوافل التجارية المستعملة في ذلك العصر... ؟
وابتداء من عصر المرابطين بدأنا نسمع كلمة دكالة تدور على الألسنة والأقلام وتستعمل في تدوين الأحداث...ونؤكد ما اشرنا إليه سابقا من أننا لم نطلع على هذه الكلمة في نص مكتوب قبل هذا العصر...
ومن أقدم النصوص التي وردت فيها كلمة دكالة ما نجده عند الجغرافي المغربي الإدريسي في كتابه نزهة المشتاق الذي يشتغل بتأليفه سنة 548 هجرية يعني بعد سقوط دولة المرابطين بسنوات معدودات. وقد تحدث الإدريسي عن المرابطين وواقع بعض الأقاليم المغربية على عهدهم. ومن جملة هذه الأقاليم دكالة. ويظهر من نص الإدريسي انه كان يستعمل كلمة دكالة في الدلالة على الإقليم لا على القبيلة أو القبائل كما يظهر من نصه أيضا أن مدلول الكلمة جغرافيا كان متسعا يصل إلى السوس ويشمل تارودانت... ! والإدريسي يسجل في دلك العصر ما علم أو شاهده بنفسه من اتساع مرافق دكالة وما بها من قرى ومدن ومراس وفلاحة و سكان (6) ...
وفي نفس العصر زار الإمام أبو بكر ابن العربي المعا فري (7)المتوفى سنة 543 هـ دكالة في طريقه إلى مراكش وسجل مشاهداته بها ولاحظ جودة التربة وقلة المياه . وقد نقل كلامه عدد من المؤرخين ويمكننا بعد هذا أن نستنتج أن كلمة دكالة كانت مستعملة في عصر المرابطين .لكننا لا نستطيع- بناء على المادة التاريخية التي بين أيدينا- إن نجزم بأنها إنما نشأت في هذا العصر...؟
أما في عصر الموحدين فإننا نجد هذا الاصطلاح قد تقرر واشتهر على الألسنة والأقلام...
فنجده عند البيدق مؤرخ ابن تومرت(Cool...كما نجده عند مؤلف كتاب : الاستبصار في عجائب الأقطار (9)... وعند المراكشي في المعجب (10)وعند ابن القطان في نظم الجمان (11).
والملاحظ عند إمعان النظر في هده النصوص التي جاءت في هذه الكتب والتي الفت في ظل سياسة الموحدين...أن مؤلفيها كانوا يشيرون في استعمالهم لكلمة دكالة إلى الدلالة القبلية لا إلى الدلالة الإقليمية…..
وقد رأينا الإدريسي الذي كتب قبلهم مؤلفة نزهة المشتاق، ينهج في استعماله لكلمة دكالة منهاج الإقليم لا منهاج القبلية...ومعلوم إن الإدريسي لم يكتب ما كتب وهو متاثر بسياسة الموحدين بل يظهر انه كان غير راض عن هذه السياسة ...ويتجلى دلك في كونه تعمد ان يقاطع المادة اللغوية الذي أخذ الموحدون منها اسم دولتهم وشعارها ومذهبها...فلا يستعمل ما يستعمله مؤرخو دولتهم من كلمات : التوحيد، والموحد، والموحدين والدولة الموحدين....والمهدي...والمعصوم...وإنما يستعمل شيئا آخر وهو دولة المصامدة، أو دولة المصاميد....ويقول عن المهدي...انه محمد بن تومرت المصمودي وهكذا. وبعد عصر الموحدين أخذ مدلول كلمة دكالة يستقر في الكلمة الإقليمية مع ضيق وسعة حسب الظروف والملابسات...ولا ننسى أن المؤرخ ابن عذارى وهو من عصر بني مرين ذكر دكالة أثناء حديثه عن عقبة بن نافع (12)...؟
بعد هذه التحديدات والتحليلات ننتقل إلى الحديت عن العناصر البشرية التي التقطت في هذا الإقليم وكونت على ممر العصور الوحدات التي اخذت أسماء متعددة، منها المندثر ومنها ما لا يزال قائما ومعروفا إلى الآن ...؟
إن تتبعنا لمواطن القبائل المغربية القديمة مند اتصل بها التاريخ واشتهرت بأسمائها ووحداتها وما تكون من هذه الوحدات من تجمع. أو اتحاد. أو لف. يعطينا ان دكالة باعتبارها إقليما ذا سواحل وسهول ومرتفعات تجاور لمجموعة المصمودية المستوطنة بجبال درن وما يجاور هده الجبال من سفوح ومرتفعات..من جهة الجنوب .. كما أنها تجاور من جهة الشمال مجموعة صنهاجة ازمور بينما يرجع البعض الآخر بأصوله إلى مصمودة درن...
ومصمودة درن قديمة الاستيطان هناك، والأدلة التاريخية متوفرة. ويكفي أن نعلم –حسب الاستقراء- ان البحث العلمي الدقيق لا يعرف والى الآن موطنا لمصمودة قبل جبل درن ...فمنها تفرعت الفروع ومنها خرجت الجموع....
أما صناهجة ازمور فالمضنون أنها تنتمي في أصولها إلى نفس الأصول التي تنتمي إليها صنهاجة الشمال وصنهاجة الجنوب...وهذه الأصول-كما يقول المؤرخون والنسابون-ترجع الى الصحراء..فهي الموطن المعروف لها ويبقى السؤال قائما...
متى انفصلت صنهاجة ازمور عن أختيها في الشمال والجنوب...ومتى التحقت بمقرها في ازمور وما حوله...؟ وما هي الوحدات الصنهاجية التي تكون مع الوحدات المصمودية وغيرها هذه الوحدة الدكالية...؟
على أننا نعلم من خلال حركة التاريخ ان هناك عوامل اضافت الى الوحدات الصنهاجية والمصمودية في دكالة عناصر أخرى في عصر المرابطين ثم في عصر الموحدين ثم في العصور المتتابعة...؟
فقد أتاح المرابطون لدكالة عدة فرص للاستقرار والأمن والتكتل والمعاش المناسب. حيث أنهم بمواقفهم الحازمة من النحلة البرغواطية وما عاملوا به من كان منضويا تحت لوائها في تامسنا وغيرها. قد مكنوا دكالة من الأمن والتفرغ إلى العمل والاكتساب بعد ان كانت –ولمدة طويلة- تشتبك مع البرغواطيين في حروب و نزعات معاشية ومذهبية... فإذا انظم إلى هذا العامل أن قبائل صنهاجية و اخرى مصمودية تحركت على عهد المرابطين من الجنوب إلى الشمال والغرب واستقر بعضها في دكالة. كان العصر المرابطي قد أضاف إلى الوحدات القديمة وحدات أخرى من صنهاجة و مصمودة درن (13) .
هذا عن الناحية البشرية في عهد المرابطين. أما عن الناحيتين الفكرية والمذهبية، فإن المرابطين غرسوا في دكالة وفي غيرها من أقاليم المغرب التفكير السني، والمذهبية المالكية وبذلك انتشرت في دكالة مساجد الصلاة و معاهد العلم، وظهر في الدكاليين رجال من اهل العلم و الفضل والعبادة و التربية الصوفية... و اخذت الرباطات تضم العباد و العلماء و زعماء الزوايا (14)..
و يكفينا هنا أن نشير إلى موقف المرابطين من زاوية امغار و رجالها حيث أنهم كانوا يقدرون أعمالهم التربوية و يشجعونهم على اداء رسالتهم في هذه الناحية، بل انهم كانوا يستشيرونهم في القضايا و الملمات. و التاريخ لا ينسى رأي أهل زاوية أمغار في تحصين عاصمة مراكش بالأسوار، يوم ظهر ابن تومرت بدعوته التي استهدفت القضاء على المرابطين وذلك صرح عاصمتهم (15)...
و احتفظت دكالة – من الناحيتين الفكرية و المذهبية بما غرسه فيها المرابطون - و لقد لقيت ولقي رجالها على عهد الموحدين تضييقا و تحريجا بسبب موقفهم المتصلب من دعوة المهدي ومذهبية الموحدين المعروفة...
و لا حاجة تدعونا الآن إلى تحليل هذه النقطة من تاريخ دكالة، لاننا نحيل من اراد التعمق في دراستها على المصادر المتعددة التي عنيت بتاريخ الموحدين و تاريخ العلم و العلماء في عهدهم... و موقف دكالة و جاراتها من الموحدين و مذهبيتهم جعل عملهم فيها يتسم بالشدة والعنف (16) ... فيما يقول المؤخرون...
فمن جهة كانوا يودون أن عاصمتهم مراكش تكون وسط جيران يشايعون الدولة و يدافعون عنها و يربطون مصالحهم بها... و قد حققوا ذلك فعلا مع مصامدة الجبال الذين أولوا السياسة الموحدية كل ما يملكون من تأييد معنوي و مادي... أما مصامدة السهول – و دكالة تمثل قوتهم العظمى – فإنهم اتخذوا موقفهم المتصلب. وهم تلاميذ المرابطين الذين انقذوهم من تسلط برغواطة و مذهبيتها المنحرفة... فكيف ينسون هذا بين عشية و ضحاها، و كيف يتنازلون عن مذهبيتهم السنية التي تزخر مساجدهم و رباطاتهم و زواياهم بعدد من الرجال يدعون إليها ويثبتون الناس على التمسك بها..؟
و يحاول المفسرون للتاريخ أن يربطوا بين هذا الموقف الذي اتخذته دكالة و جاراتها، و بين اتاحة الموحدين الفرص لموجات من الهلاليين للنزول بالسهول المغربية، و منها دكالة... ومضايقة و مدافعة السكان جزاء تصلبهم إزاء مذهبية الموحدين...
كما يحاولون في نفس الوقت أن يربطوا بين نزول الموجات الهلالية، و بين التعريب الشامل للأقليم كله ... حيث انضمت العناصر الهلالية إلى العناصر المصمودية و الصنهاجية...
و يزيد هؤلاء المفسرون في استنتاجاتهم فيربطون بين نزوح بعض العناصر من دكالة إلى أقاليم أخرى في الغرب و سايس و غيرهما... و بين هذه السياسة الموحدية التي اتاحت الفرصة للهلاليين للنزول بدكالة و مضايقة و مدافعة سكانها...
و يظهر حسب الاستقراء و التتبع الموضوعي لهذه القضية التاريخية أن هذه التفسيرات ليست دقيقة في حجمها و لا منطقية في سائر استنتاجاتها مع التسليم بالمبدأ الأساسي. و هو الموقف المتصلب لدكالة و جاراتها من الموحدين... و محاولة هؤلاء التضييق و التحريج و الانتقام...
و توقفنا من هذه الاستنتاجات المتسمة في عمقها بالجزافية، موقف التحفظ و الاحتياط و الحذر.
فالموحدون حينما جاءوا بالهلاليين و اخوانهم إلى المغرب بعد ان تم لهم الامر في المغارب الثلاثة كانت لهم أهداف متعددة كما نجد ذلك في النصوص التاريخية الموثوق بصحتها... و قد نزل هؤلاء الهلاليون و إخوانهم في اقاليم مغربية و منها دكالة ...
- فإذا كان التضييق الانتقامي هو الهدف ...فهل كان الموحدون يهدفون إلى ذلك في جميع الأقاليم التي نزل بها الهلاليون ... ؟ أظن...لا.
- و لو كان التضييق الانتقامي هو الذي دفع بعض عناصر دكالة إلى النزوح عن ارضها ..لما ترك لها الموحدون الفرصة للنزول بأراض خصبة للغابة كسايس و الغرب و التمتع بخيرات المياه المتدفقة من سبو و روافده...
أما قضية التعريب الشامل في الاقليم كله ، فلها أسباب قبل و بعد الهلاليين و إن كنا لا نشك أن للهلاليين الحظ الأوفر منها...
و مهما كانت دوافع الموحدين...و مهما كانت دوافع النازحين عن دكالة ...فإننا لا نشك أن عناصر هلالية عملت عملها في الحياة الاجتماعية و الاقتصادية بدكالة... منذ عصر الموحدين... كما انه في نفس العصر دخلت إلى دكالة عناصر من الصحراء . و من المعروف تاريخيا أن عبدة دخلت و استوطنت و انساحت في موطنها المعروف و إلى الآن (17)...
و هكذا دخلت عناصر من الشمال : بنو هلال و إخوانهم... و عناصر الجنوب : العبديون واخوانهم من عرب معقل... و كون الجميع دكالة التاريخية ... المعروفة بما ترك عصر الموحدين فيها من تطور في البنية السكانية، و السياسية الموحدية - و لا سيما في عهدها الاخير- عهد التفكك و الصراعات ..تجرعت غصصا من نتائج الاخطاء المرتكبة... بسبب إثارة الحساسيات القبلية ...في الإقليم ... !(18) .
بل ان دكالة شهدت الصراعات الأخيرة التي انتهت بما هو معلوم في التاريخ من طي صفحة دولة الموحدين و قيام دولة بني مرين... بعد صراعات داخلية و خارجية مهدت لقيام الوحدات الأربع .
- دولة بني حفص في تونس .
- دولة بني عبد الواحد في تلسمان.
- دولة بني مرين في المغرب.
- دولة بني الاحمر في غرناطة .
و لقد نضجت في دكالة على عهد الموحدين حركة التربية الصوفية، و التربية العلمية، و ادت كلتاهما رسالة نبيلة إلى دكالة و الدكاليين ، بل جاوز مفعولهما مدن و قرى الاقليم إلى الجيران الأقربين و الأبعدين و شاهدنا إعلام الرسالتين : تتألق نجومهم و يذيع صيتهم داخل المغرب وخارجه...
و في كتاب (التشوف) الشيء الكثير عن هؤلاء الأعلام...
و عند صعود بني مرين إلى الحكم – رغم ما حل بالبلاد أيام المخاض السياسي- انتعشت دكالة اقتصاديا و عمرانيا و ثقافيا ... و لم يقدر لابن خلدون أن يزورها و يدون مشاهداته بها... لكن معاصرة لسان الدين ابن الخطيب زار المنطقة و كتب عنها ما هو مشاهد في كتابي *نفاضة الجراب* و *معيار الاختيار* و غيرهما من كتب ابن الخطيب المفيدة.
كما كتب عنها في نفس العصر ابن قنفذ القسنطيني الذي تولى القضاء بها، و ألف كتابه: (أنس الفقير و عز الحقير).
و هذا الكتاب في أصله مؤلف في موضوع أهل التربية الصوفية و العلمية، لكن فيه إشارات مفيدة جدا عن تاريخ دكالة و معالمها و معاهدها و رجالها. و ما كانت تنعم به إذ ذاك من ثروة ورخاء و ازدهار....
و ابن العظيم الأزموري ألف في هذا العصر كتابهSad بهجة الناظرين) و هو في أصله مؤلف في موضوع مناقب أهل زاوية أمغار إلا انه على العادة تضمن معلومات تاريخية و جغرافية وسياسية عن إقليم دكالة... و غيره من أقاليم المغرب...بل أن به معلومات انفرد بها عن موقف المرابطين من زاوية أمغار و رجالها...

(1) الناضوري: المغرب الكبير الجزء الأول عن التاريخ القديم.
(2) الزبيدي: تاج العروس ج2:ص 323.
(3) دوزي : تكملة المعاجم العربية ج1 ص 454
(4) معجم البلدان ج2،ص 459 ط بيروت 1956م
(5) القاموس المحيط: المادة.
(6) وصف افريقيا الشمالية و الصحراوية ص 45-48-49.
(7) أنس الفقير لابن قنفذ ص:71.ط.الرباط 1965
(Cool راجع أخبار المهدي في عدة صفحات منها : 63-65.
(9) الاستبصار ص 209- الاسكندرية 1958م.
(10) المعجب ص: 341 ط القاهرة 1949م
(11) نظم الجمان ص: 84-87.
(12) البيان المغرب ج 1، ص:28 و ذكرها في الأجزاء الأخرى.
(13) آسفي وما إليه في عدة صفحات.
(14) ابن عبد العظيم الازموري مخطوطة : بهجة الناظرين.
(15) المصدر السابق
(16) الكامل لابن الأثير ج 10، ص: 285 ط بيروت 1966م.
(17) آسفي و ما إليه في عدة صفات.
(18) ابن عذاري: الجزء الخاص بالموحدين الفصول الأخيرة.

وصف أرض دكالة : من خلال كتب التاريخ

قال العلامة القسنطيني واصفا أرض دكالة :"هي أرض مستوية طولها مسيرة أربعة أيام وكذلك عرضها ،ووجدت بها خمسة وعشرين مدرسا وبلغت أزواج حراثتها زمان ورودي عليها عشرة آلاف زوج، وبعض حيوان فيها إنسان وغيره زائد على مثله في قداره وليس فيها نهر ولا عين إلا آبار طيبة. دخلها القاضي أبو بكر بن العربي بعد رجوعه من العراق وعجب من قلة مائها وكثرة خيرها وقال رأيتها أنبتت ثاني يوم المطر.
وقال أبو القاسم الزياني في الترجمانة:"طولها خمسة مراحل ،وليس فيها أنهار ولا عيون إلا الآبار العذبة وليس بها شعاب ولا خنادق ولا جبال الا البسائط المستوية والزروع والضروع وبها زيادة على عشرة آلاف قرية غير مدن السواحل ومدينتها العظمى في وسطها وبها خمسة وعشرون مسجدا وخمسة وعشرون مدرسة معمورة بطلبة البربر من صنهاجة ،أهلها قل ما تجد فيهم من يتكلم بالعربية وبها اجتمعت بالشيخ أبي بكر بن العربي لما قدم من سفارة العراق وتوجه لأمير المسلمين يوسف بن تاشفين اللمتوني سنة أربع وتسعين وأربعمائة ،وتعجب من قلة مائها وكثرة ثمارها وخيراتها ورخص أسعارها وطيب زرعها وضروعها ،وقد بلغ عدد سككها أزيد من مائة ألف سكة".
فيما يصفها لمارمول كَربخال :"....يكثر فيه القمح وقطعان الماشية ،ويتكون معظمه من سهول يجوب فيه أعراب كثيرون ،ويقطنه بربر كثيرون يجوب بعضهم كذلك عبر البادية ويسكن البعض الآخر في منازل وأماكن مسورة

خريطة لقبائل دكالة

https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjoLdAL_HFRDgvwbyEiSWHjgC2szBCfQRYp6z3fg59MSNyx1NQTjGVdMdXT5r5G_g2DDs6dqXK3eHyNmI_UKPtkdDkfh24NDJc02Fzt3g0aBix_XZI7wFGTUZs2j_tUCvy4G9_XJxFF52pu/s1600/Carte+de+Doukkala+02.bmp